استبعد رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل في حديث صحافي تخلي ««حزب الله» عن مرشحه الوحيد للانتخابات الرئاسية اللبنانية المعلقة منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية.
وأبدى «الرئيس»، كما يناديه فريق العمل في المنزل القديم الذي تحول مكتبا في بلدته بكفيا في وسط المتن الشمالي، خشيته من حل يأتي على حساب لبنان، «بتلزيم إدارة شؤون البلد إلى حزب الله، كما حصل في بداية تسعينيات القرن الماضي يوم عهد بالأمور في لبنان إلى سورية».
يقارب الجميّل الأمور بمنطق سياسي وليس بما يتمناه أهل السياسة في لبنان. ويرى أن «حزب الله» لن «يفرّط في ورقة قوية في يده، ويفرج عن الاستحقاق الرئاسي اللبناني قبل تبيان نتائج الحرب في غزة وجنوب لبنان. ولم يتردد في كشف عرض فرنسي سابق من الموفد جان إيف لودريان، بالقبول بتسوية تحمل فرنجية إلى قصر بعبدا، في مقابل اختيار المعارضة هوية رئيس الحكومة. وأشار إلى أن الموفد الفرنسي ذكّر بتجربة الفراغ الرئاسي الثالث في تاريخ الجمهورية اللبنانية بعد 1988 و2007، وقد انتهى «بانتخاب مرشح حزب الله العماد ميشال عون رئيسا» بعد انتظار أكثر من سنتين.
الجميّل رأى أن حظوظ فرنجية حاليا أقوى من تلك التي كان عليها الرئيس ميشال عون، «ذلك أن فرنجية ينطلق من دعم 51 نائبا اقترعوا له في الجلسة الأخيرة، في حين أن البلد كله (المكونات السياسية والنيابية) كان يقف ضد عون الذي انطلق من كتلة نيابية متوسطة تضم نوابه ونواب حزب الله. ووصل إلى الرئاسة وشفنا شو صار بالبلد..». الجميّل كرر مقولة عدم القبول برئيس من قبل فريق يتغلّب على فريق آخر، داعيا «إلى انتخاب رئيس جامع قادر على توحيد اللبنانيين. رئيس يفتح النقاش ويفاوض حزب الله على كل المسائل السياسية، لاستعادة قرار الحرب والسلم من قبل الدولة اللبنانية، لاستعادة سيادة الدولة اللبنانية. رئيس لا يثبّت انتصار فريق على آخر».
وتوقف هنا ليشير إلى «حائط مسدود نواجه به حاليا من قبل الحزب». ورفض التعليق على ما ينسب إلى الرئيس نبيه بري من القبول بمرشح «خيار ثالث»، مفضلا «انتظار معرفة ذلك من الرئيس بري، وليس مما يتناهى الينا من شائعات». وكشف عن غياب التواصل «من زمان مع الرئيس بري»، من دون ان يكون في الأمر مشكلة مع رئيس مجلس النواب. وأضاف: «القرار في الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي ليس عند اللجنة الخماسية او الرئيس بري او مجلس النواب، بل هو عند حزب الله الواضع يده على البلد متخذا منه رهينة بين يديه».
لم يشأ رئيس «الكتائب» الدخول في نقاش حول أسماء في لائحة قصيرة تم التداول بها. كما رفض تصنيف ترشيح قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في ان «المواجهة» او «الخيار الثالث»، مشيرا «إلى أن الموضوع عند العماد عون وهو يصنف نفسه يوم يقرر الترشح، فيتموضع في هذا المكان او ذاك. نحن في حزب الكتائب لا نقوم بمناورات في السياسة، ولا ننتخب في المجهول، بل نقترع لمشروع سياسي واضح بعد الاقتناع به». الجميل رأى ان المدخل الحقيقي إلى الحل في أزمة الفراغ الرئاسي، يكمن في إعلان «حزب الله» التخلي عن ترشيح فرنجية، واستعداده البحث باسم يلقى قبولا من الشرائح السياسية. «وهذا الأمر غير متاح حاليا، نسبة إلى التطورات في غزة وجنوب لبنان، وطالما ان الحزب قادر على تحقيق مكاسب في الداخل، أسوة بما حصل بدعمه لوصول الرئيس (السابق) ميشال عون إلى الرئاسة». وكرر القول ان ظروف فرنجية الانتخابية الحالية أفضل من ظروف العماد ميشال عون في 2016».
واشار إلى طمأنة دولية للأفرقاء من المعارضة حول عدم حصول تسوية على حساب لبنان، «الا ان احتمال حصول ذلك يبقى واردا. ترشيح فرنجية لم ينته، ولا مشكلة شخصية معه، بل نختلف في السياسة حول موقفه الداعم للحزب». ولم يمانع البقاء منفردا في حال حصول تسوية كما في 2016، «ونحن لن نشارك في خراب البلد.. الرئيس عون سلم البلد في عهده إلى الحزب، فانهار البلد وتم تدمير كل مقومات الدولة».
الجميّل استبعد حصول هدنة في غزة وانسحابها تالياً على جنوب لبنان: «قبل تحقيق إسرائيل أيا من الأهداف الثلاثة التي حددتها، وهي تحرير أسراها والقضاء على «حماس» وتأمين الأمن في غلاف غزة. في المقابل، سيستعمل حزب الله هذه الورقة في المفاوضات التي يجريها مع (مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن) أموس هوكشتاين، والخشية ان تكون مكافأة الحزب وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية». ودعا إلى جبهة مماثلة لتلك التي قامت في فندق «البريستول» في 2004، للمطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان وقتذاك. «جبهة مهمتها استعادة سيادة الدولة اللبنانية من حزب الله، وتحرير قرار الدولة».
وفي هذا السياق، رحّب بعودة «التيار الوطني الحر» إلى موقعه قبل 2006 (تاريخ إعلانه وثيقة التفاهم مع حزب الله في فبراير عامذاك)، كاشفا عن تواصل غير شخصي مع رئيس التيار النائب جبران باسيل. ووصف الأخير بـ«الحليف الاستراتيجي للحزب، ويختلف معه على التكتيك حاليا، ونأمل انتقال الخلاف إلى الاستراتيجية. المسألة تتعدى رفض التيار لوحدة الساحات، اذ نريد منه إعلان رفضه للسلاح غير الشرعي»، كما رفض ازدواجية السلاح المدرجة في البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة. «نعاني غياب ميزان القوى في البلاد، وتشتت المعارضة. ولا يكفي تجمع 31 نائبا في جبهة رفض، ويجب العمل على ضم كل الشخصيات والمجموعات السياسية، للعمل على تحرير قرار الدولة اللبنانية».
بالعودة إلى الملف الرئاسي، قال الجميّل: «جهاد أزعور صاحب بروفايل جيد، لكنهم شيطنوه». وحسم موقفه تكرارا من إمكانية الاقتراع لفرنجية بالقول: «لا لفرنجية، وبدك تشوف غيرنا».
رئيس الكتائب حذّر من نجاح «حزب الله» في إيصال فرنجية إلى القصر الجمهوري، «للمرة الثانية بعد تجربة (الرئيس ميشال) عون في 2016. وعندها يصبح موضوع انتخاب الرئيس مكرسا في يد حزب الله». ربما يبحث الشيخ سامي عن «جمهورية مثالية»، لكنه ملتزم بخارطة طريق يرفع عنوانها مصلحة البلد، كما يردد، ولو أن هذه الخارطة تقيد تحركاته الجغرافية، وتحصرها في جانب ضيق من البلدة التي أعطت رئيسين للجمهورية، أولهما عمه «الرئيس الشهيد بشير الذي اغتيل قبل تسعة أيام من تسلم ولايته الدستورية في 23 سبتمبر 1982، إذ سقط في انفجار استهدف مبنى الحزب في الأشرفية في 14 سبتمبر». اما الرئيس الثاني فهو والده الشيخ أمين، والذي انتهت ولايته الدستورية دون إجراء الاستحقاق الانتخابي الخاص برئيس الجمهورية، فغادر قصر بعبدا ليل 23 سبتمبر/ أيلول 1988، مصدرا مرسوما بتأليف حكومة من المجلس العسكري برئاسة قائد الجيش وقتذاك العماد ميشال عون.